القلب …. ورمضان

بقلم د كتور/ محمد بغدادي
ما أعظم الشهر المبارك وما أنبل نتائجه على النفس والروح والجسد ، وما أروع صلواته وصيامه وأيامه التي تٌعيد هيكلة النفس والقلب ، هذا القلب الذي يريد أن يتطهر وهذا القلب يريد أن يغتسل وهذا القلب يريد أن يٌنظف وهذا القلب يريد أن يبتعد عن الماديات حتى يشعر بالروحانيات وهذا القلب يريد أن يبكي من الفرحة بدلاً من بكائه من أحداث يومية لا تُغني ولا تسمن من جوع وهذا القلب يريد أن يحيا مثلما خطط له الإله الخالق وهذا القلب يريد أن يتحدث عما بداخله لإن بداخله كلمات عظيمة غير مسموعه وهذا القلب لديه مشاعر جبلية تسع الكون كله بأكمله وهذا القلب يريد أن يتحدث مع الله ساعات بل شهور بل سنوات بل قرون ليٌزيح هضاب الهموم وجبال الآلام وبكاء الأحزان والليالي السوداء التي ابكته آلاف المرات، هذا القلب يريد أن يرى النبي ولو مره حتى يحنو عليه ويرتوي من النظر إليه وهذا القلب يريد أن يسجد سجده مطوله حتى يفقد الوعي تمامًا ليحتضن السماء بنجومها وطبقاتها ومجراتها حتى يصل لسدرة المنتهي ويرى نور الله وهذا القلب يريد أن يتسابق مع الزمن حتى يقف أمام الله وهو خالي من أية أحقاد وضغائن.
تخيل نفسك الآن وأمامك رسول الله ماذا سيفعل قلبك هل ستحتضن النبي ؟ اعتقد أنك ستحتضن نبيك وستغرق في دموعك وكأنها المحيط الهادي. ماذا لو اتيحت لك الفرصة أن تتحدث مع نفسك بصدق وتتحدث وتتحدث وتتحدث حتى تسكب الهموم جانبًا وتٌزيح الستار عن أحزانك في لحظات الصدق وتٌبعد أميال الأحزان. فالقلب له مضامين وله مفاتيح كثيرة ودائمًا يأتي الشهر المعظم ليٌخاطب القلب ويهذب القلب ويحنو على القلب ويرأف بالقلب ويتصل بالقلب ويفتح القلب ويتحدث إلى القلب ويسمع القلب ويٌزيل غشاوة القلب ويأتي بالهواء اللطيف للقلب ويطبطب على القلب ويروض القلب فهي عملية تشبه القلب المفتوح يٌجريها الشهر المبارك بقلوبٌنا جميعًا طوال ثلاثون ليلة وسط أنبهار الجسد وحديث الروح.
فالقلب بين فترة وأخرى ومرحله وأخرى يحتاج لمن يستمع له ويتكلم في حضرته فكلنا مخطئون وملئ بالذنوب وكلنا هلكى ونبحث عن مخرج حتى نتقرب إلى الله لنٌعيد هيكلة هذه الأجساد المتهالكة الميتة المقتولة البائسة الفقيرة المطروحة أرضًا.
دع قلبك يتحدث في رمضان ودع دموعك تٌسكب في الشهر المبارك ودع مشاعرك واتركها لترى النبي الكريم ودع كلماتك كلها في سجودك فالسماء تٌنصت جيدًا وتستمع إليك وتٌحبك بالفعل فأقسم إليك أنها تٌحبك لكنها تشترط عليك أن يتحدث إليها قلبك أولاً بلا حواجز ولا جسور ولا حوائط ولا وسيط فربك قريب جداً فهو أقرب إليك من حبل الوريد.