كتب: ايمن علام
صرح أ.د/ محمد مختار جمعة وزير الأوقاف بأن الجماعات المتطرفة سبيلها الفوضى ، ولا مكان لها في الأوطان المستقرة، لأنها لا تقوم إلا على أنقاض الدول ، وأن قيادتها غالبا ما يتناحرون فيما بينهم على الأموال والمغانم ، وأن هذا التناحر يزداد في حالتين :
الأولى : إذا تمكنوا من السلطة، والتاريخ المعاصر خير شاهد .
الثانية : إذا تعرضت الجماعة لمحنة كما هو الحال في قيادات جماعة الإخوان .
فقيادات الجماعات المتطرفة على أتم استعداد للتضحية بالشباب المغرر به خدمة لمصالحهم ، ولا يعنيهم ما يراق من الدماء ، ولا ما يضيع من مستقبل هؤلاء الشباب .
وعلينا أن نفرق بوضوح بين سبيل الدولة ونفعية الجماعة ، فالمصلحة في منظور الدولة هي المصلحة العامة المعتبرة ، التي تحقق صالح الوطن وصالح جميع أبنائه ، وليست المصلحة الخاصة التي تحقق صالح بعض الأفراد على حساب بعض أو على حساب المجتمع أو على حساب الوطن .
أما المصلحة في منظور الجماعة فهي المصلحة التي تحقق صالح الجماعة ، بل ربما بلغ الأمر حد الشطط فصارت المصلحة عندهم هي ما يحقق صالح قيادة الجماعات ونخبتها ، ولو على حساب باقي أفراد الجماعة والمجتمع كله ، فقد تضحي الجماعة ببعض المنتسبين إليها أو المنتمين لها لصالح قيادات الجماعة ، ولا سيما أن هذه التضحيات لا يمكن أن تكون بأي من قيادات الجماعة أو أبنائهم – إلا في ضوء التنازع والتناحر وعمليات الإقصاء والإقصاء المضاد بين هذه القيادات في محاولة كل منها الاستئثار بالمغانم- إنما تكون التضحيات دائمًـا بالصفوف المتأخرة في الجماعة.
وقد تضحي الجماعة بالمصلحة الوطنية العليا إذا تعارضت مع مصلحتها ، بل إن كثيرًا من الجماعات ترى أن كل ما يقوي الدولة ليس في صالح الجماعة ، وأنه لا مكان لأي جماعة في ظل دولة قوية متماسكة مترابطـة ، ويجب في منظورهم العمل على إضعاف الدولة حتى يتم التمكين للجماعة .
وتحاول معظم الجماعات – ولا سيما الإرهابية والمتطرفة منها- ربط مصالح أعضائها وعناصرها والمنتمين لها بمصالح الجماعة – وبخاصة في الجوانب الاقتصادية والاجتماعية – بحيث يصبح الدفاع عن مصلحة الجماعة قضية مصيرية لكل أفرادها ، وأن حياة الفرد لا يمكن أن تستقيم خارج جماعته ، وأنه لو فكر مجرد تفكير في الخروج من الجماعة لتعرضت جوانب حياته المتعددة للخلل أو الانهيار أو التدمير ، ما لم تكن حياته نفسها أيضًا مهددة !.
وفي سبيل الوصول إلى مآربهـم يتذرعون بذرائـع ، منهـا: أن بعض الحكام لا يحكمون بشرع الله ، علاوة على ذلك أنك عندما تناقش عناصر هذه الجماعات عن مفهوم شرع الله تجدهم خاوي الوِفاض، وقد بينا ذلك واضحًا جليًّا في إصدارات عديدة ، وبينا بالحجة والبرهان زيفهم وزيغهم وتحريفهم الكلم عن مواضعه ، وأكدنا أن الالتزام بما أنزل الله (عز وجل) من شرع لا يمنع احتكام البشر إلى قوانين يضعونها في إطار مبادئ التشريع العامة وقواعده الكلية ، وفقًا لتغير الزمان والمكان ، ولا يكون الاحتكام لتلك التشريعات الوضعية مخالفًا لشرع الله (سبحانه وتعالى) ما دام أنه يحقق المصالح العامة للدول والشعوب والأفـراد والمجتمعـات ، ولا يحـل حرامًـا أو يحـرم حلالًا أو يتناقض مع ثوابت الشرع أو ينال منها.
فالإسلام لم يضع قالبًا جامـدًا صامتًــا محددًا لنظــام الحكم لا يمكن الخروج عنه وإنما وضع أسسًا ومعايير متى تحققت كان الحكم رشيدًا يقره الإسلام ، ومتى اختلت أصاب الحكم من الخلل والاضطراب بمقدار اختلالها ، ولعل العنوان الأهم والأبرز لنظام أي حكم رشيد هو مدى تحقيقه لمصالح البلاد والعباد ، وعلى أقل تقدير مدى عمله لذلك وسعيه إليه ، فأي حكم يسعى إلى تحقيق مصالح البلاد والعباد في ضوء معاني العــدل والمساواة والحــرية المنضبطة بعيــدًا عن الفوضى والمحسوبية وتقديم الولاء على الكفاءة ، فهو حكم رشيد معتبر، وتحت هذا العنوان الرئيس تتداعى تفاصيل كثيرة تهدف في مجملها إلى تحقيق العدل بكل ألوانه السياسية والاجتماعية والقضائية بين البشر جميعًا ، وعدم التمييز بين الناس على أساس اللون أو الجنس أو العرق .
فكل حكم يعمل على تحقيق ذلك ويسعى إلى توفير الحاجات الأساسية للمجتمع من مأكل ومشرب وملبس ومسكن وبُنى تحتية من: صحة ، وتعليم ، وطرق ، ونحو ذلك مما لا تقوم حياة البلاد والعباد إلا به ، فإنه يعدّ حكمًا رشيدًا سديدًا موفقًا ، مرضيًّا عند الله تعالى وعند الناس إلا من حاقد أو حاسد أو مكابر أو معاند أو خائن أو عميل.