عن الحب نتحدث…

بقلم د/ محمد بغدادي
ليتها كلمه تقال وليتها فعل قد قمنا به في خلسه من أمرنا وليتها هواجس أو بعض الأفكار الساذجة التي نقوم بها بين الحين والأخر وليتها حدث عارض وليتها عبارة أو اثنتين نقرأهما في كتاب أو قصة أو روايه من محفوظ أو السباعي أو الحكيم أو إدريس أو السحار أو ……… فما جن قيس من قريب ولا نفي عنتره بالقليل ولا عانقت أغاني أم كلثوم القلوب إلا لأنها خاطبت الأفئده ولا أمتلك عبد الحليم الهوى إلا بإحساس داخلي مميت. ولا أصبحت حكايات كليوباترا وأنطونيو بين سطور الكتب التاريخية.
ليتها وليتها ولكنها ليست بالكلمة أو بالمنطوق ولكنها مشاعر متغلغلة منتشرة بين الضلوع كالسيل الجارف بين ثنايا الدم والأوردة وبين مسامات الشرايين بطول الجسد من أعلاه لأسفله حتى الأطراف لم تسلم منه حتى الأفكار لم تشفى منه حتى الحنين لم يبعد عنه حتى السفر الطويل لم يتنحى منه حتى مع اللقمه التي توضع في الفم يدخل معها حتى مع النوم الضعيف والنوم القوي حتى مع السطور حتى مع العمل حتى مع الروح حتى مع البكاء حتى مع الفرحه حتى مع الدموع حتى مع اليقظة حتى مع الخلايا بل النواه ذاتها.
إن الأحاسيس الجياشة لا يعلمها جيدا إلا من عاش معها وتعايش معها واستمع لها وأنصت إليها وحاورها وناقشته وأخذته في دنيا وعالم أخر ليس بعالمنا ولا بأفكارنا ولا بعيوبنا ولا بأجسادنا ولا بنا ولا بدنيانا ولا بأرواحنا. هذا العالم الذي ليس له مكان في عالمنا المادي بل هو يرتقي ويعلو ويصعد ويطير ليصل للهواء النقي لصوت الطيور العذب لرائحة نسيم الفجر العليل ليشاهد قطرات الندى الجميلة التي ترقرق على أوراق أشجار الورد لتوقظها من نومها الملائكي في مرأى ومسمع من جمهور العصافير.
لم يدرك طعم الحب إلا من استذاق منه وشرب منه مره ومره ومره ومره وفي النهاية تجده لم يشرب شيئا تتناقله الأفكار وتهوي به رياح الحنين ويدفعه برق مشاعره ليحيا وحيدا فريدا متلزما الصمت والهدوء متنعما بفيض ذكرياته الجميلة الباهته فهو في الشروق ظمأن وفي الغروب عطشان وفي الظهيره تراه مغشيا عليه.
فعندما يقشعر البدن لكلمات كهذه الكلمات فإن الجسد يعلن عن ذكريات متجذرة منتشره تتحرك بين ثنايا الذكريات المؤلمه والذكريات السعيدة في محاولة لاسترجاعها مع طلوع فجر أو شروق شمس أو ذهاب قمر أو تبعثر أيام أو مرور أشهر أو جلوس سنوات أو عبر رحلات الزمن القاسية.
فعندما أجلس النبي المعظم صديقة السيدة خديجه بعد وفاتها وتحدث إليها ليس إلا فيضان مشاعر حب خالصة وقويه إليها وعندما غادر بلال بن رباح المدينة بعد وفاة النبي ليس إلا حب قاتل يكاد يميته ويهوي به إلى المجهول وعندما مرض النبي المعظم وشاهده أبا بكر الصديق الصدوق لم يتحمل فمرض على الفور الصديق في وقته وعندما شفي النبي وزار الصديق شفي الصديق. الحب يا سادة فوق كل المشاعر الحب يا ساده فوق الكلمات الحب يا سادة فوق كل العواطف والقلوب والحب يا ساده فوق الأشواق الحب يا ساده فوق الأغاني الحب يا ساده فوق مقالاتنا وكتبنا ومحاضراتنا ودنيانا التائهه وكلماتنا المتبعثره وأرواحنا المتبدله.
فأحيانا كثيره يتأهب الفم لينطق كلمات داخليه يهتز لها الجسد ولا يستطيع لكثرة المشاعر المتأججة والحنين المميت وكأنه إلتقاء بين الماء المالح والماء العذب. نحن صرعى لعالمنا المادي المجهول ودفعنا جهلنا لقتل مشاعرنا البريئة ذات الصفات الطفولية في واحدة من أبشع صور القتل ولم يبقى لدينا إلا ذكريات تفوح منها رائحة الحب الطاهر البرئ الذي لم تقربه شائبه أو سموم ماديه كاللبن الخالص الذي يخرج من بين فرث ودم ليصبح سائغا للشاربين.
كلنا لا يزال لدينا الرغبة في استدعاء الذكريات الحنينية الجنينية الطفولية حينما تنهال علينا مصائب الدهر وضرباته وتتكالب علينا رمال الحياة وكأننا في قبور الحياة موتى بأجساد الأحياء.