كتبت: مريم ايمن
وزير الأوقاف
ماذا يعني لك منتصف الشهر الكريم؟ هل يعني أن نصف الحمل الذي تحمله قد خف ؟ أو أن نصف الفرصة قد ضاع وعليك أن تغتنم النصف الآخر حق الاغتنام ؟ أو أن خيرًا كثيرًا قد يسره الله لك فيه وتسأله التمام وحسن الخاتمة ؟
مع منتصف الشهر الكريم تتداعى إلى الذاكرة معان عدة ، من أهمها الاستعداد للعشر الأواخر ، حيث كان النبي (صلى الله عليه وسلم) إذا دخل العشر أحيا ليله وأيقظ أهله وشد مئزره ، أي اجتهد غاية الاجتهاد في العبادة.
ومنها إخراج أو الشروع في إخراج زكاة الفطر لمن لم يكن قد أخرجها في النصف الأول منه ، وكل ذلك على الجواز والسعة.
غير أن كثيرين لا يحاسبون أنفسهم على ما كان منهم في النصف الأول منه ، فما وجدوا من تقصير عملوا على استعاضته ، وما كان من خير حمدوا الله عليه ، وجددوا النية على الاستزادة منه.
وإذا كان بعض الناس ينشطون في عمل الخير ولا سيما تجاه الفقراء والمساكين مع بداية الشهر الكريم ، ثم تنفد طاقتهم أو تثبط همتهم ، ظنًا منهم أن ما قدموه للفقير قد أغناه ، فإننا نؤكد على أهمية مواصلة هذا العطاء ، فمواصلة العبادة في هذا الشهر لا تعني مواصلة الصيام والقيام وقراءة القرآن فحسب ، إنما تعني مواصلة جميع وجوه الخير، ولا سيما الإطعام والصدقات في مثل هذه الأيام التي نعيشها ، والتي تستوجب منَّا جميعًا أعلى درجات البر والتكاتف والتراحم ، مع تأكيدنا أن واجب الوقت هو الإنفاق في سبيل الله ، بل سعة الإنفاق في سبيله (عز وجل) ، يقول الحق سبحانه: “مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ”.
وعلينا أن ندرك أنه كما مر النصف الأول من الشهر بسرعة لم نتوقعها وكأنه ساعة أو بعض ساعة ، فإن القادم كذلك سيكون أسرع وأسرع ، وهكذا الأيام والسنون والعمر كله ، وقد قيل لسيدنا نوح (عليه السلام) وهو الذي عاش ألف سنة إلا خمسين عامًا مبلغًا عن رب العزة (عز وجل) : يا نوح كيف وجدت الدنيا؟ فقال كرجل بنى بيتًا جعل له بابين ، دخل من باب ، وخرج من الآخر ، وكان نبينا (صلى الله عليه وسلم) يقول : ” ما أنا في الدُّنيا إلَّا كراكبٍ استَظلَّ تحتَ شجرةٍ ثمَّ راحَ وترَكَها ” ، ويقول الحسن البصري : ما الدنيا إلا كسوق امتلأ ثم انفض ربح فيه من ربح وخسر فيه من خسر، ويقول الحق سبحانه : “إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ “.