اقتصادرياضةسياحة وسفرسياسةعاجل

اهلا شهر الرحمة والغفران .


بقلم د/ محمد بغدادي
لم يتبقى سوى بضعة أيام ولم يتبقى إلا ساعات ليست بالكثيرة ولم يتبقى إلا أسبوعان ولم يبقى إلا أنفاس معدودة ليهل علينا شهر رمضان المعظم الذي يطوف بنا في عالمه الخاص ودنياه الثانية وبقي شيء وحيد وجوهري وهو لم نستعد لهذا الشهر الاستعداد الأمثل ولم نمهد له التمهيد اللائق به ولم نعطيه المقدمة الأساسية.
فليس هناك صلاة بدون الوضوء وليس هناك نجاح بدون العمل وليس هناك جسد بدون الروح وليس هناك حج بدون الإحرام وليست هناك رحلة بدون السفر وليس هناك موت بدون الحياة. فوجود شهري رجب وشعبان جاءا ليوقظانا من الغفلة والنوم العميق لكى نستعد ونجهز طاقتنا لنستقبل الضيف الكريم لنقترب أكثر من الله الذي لطالما بعدنا عنه ولا يزال يرزقنا برغم البعد. فالشهر الفضيل ما هو إلا منحة إلهية ليعيد جدولت وهيكلة الحالة الصحية و المزاجية والنفسية للجسد المسلم في محاولة لطرد السموم وطرد الأفكار السلبية لتعيد تنظيم حياتك مرة أخرى. فلماذا نصوم أياما في رجب ولماذا نصوم أياما أكثر في شعبان ولماذا رحلة الإسراء والمعراج ولماذا ليلة النصف من شعبان كل ذلك من أجل الطرق على القلوب ليرق القلب ويستعد ولو بصوم يوم في رجب أو شعبان ليكون القلب جاهزا ليشهد احتفالية رمضان وبكل قوة. جاء رمضان بحسنات مضاعفة وجاء رمضان بهيئة مختلفة وجاء رمضان بعادات إلهية بحته ملخصها أن خير الزاد التقوى وخير الطعام الثلث وخير الكلام ما قل وخير العمل العبادة وخير القلوب أنقاها وخير الناس أنفعهم للناس وخير الأفكار التأمل في الكون وخير الأقوال كلمات الخير أو لنصمت. فشهر رمضان كالحج والعمرة بمعنى إذا لم نخرج من الشهر وقد تغيرت عاداتنا فليس لنا من الصوم إلا الجوع والعطش كما قال الصادق المحبوب. فليست العبرة بكثرة العبادات واختلافها بقدر ما تأثير هذه العبادات على نياتنا وأقوالنا وأفعالنا فلقد خاطبنا عز وجل معاتبا ومستعجبا يا أيها الذين آمنوا لما تقولون ما لا تفعلون . إذن فالقضية أكبر بكثير من مجرد صلاة وزكاة وحج وعمرة وغيره وأن لبها الأساسي هو تغيير جذري وحقيقي في أفعالنا ونياتنا وحياتنا بشكل عام وفي كل الأوقات والأحيان لسبب بسيط أن خالقنا هو إله واحد وموجود حتى في نومنا وأحلامنا بل الأكثر من ذلك في مراحلك المختلفة في الحياة والموت وبعد الموت وحتى البعث وأيضا في الجنة والنار قارئي العزيز لا جدوى من صيامك وعباداتك دون أن تغير علاقتك مع والديك ومع أقاربك ومع أصدقائك ومع عالمك بشكل كامل فنحن محاسبون على نياتنا فإنما أعمالنا بالنيات وحتى النبي المعظم لا يدخل الجنة بعمله إلا أن يتغمده الخالق برحمته إذن فالقضية قضية نوايا وسلوكيات وعلاقة مع الله في المقام الأول وأرى بالفعل أن الإنسان ظلوما جهولا كما تحدث بذلك القرأن الكريم فهو يجري وراء سراب وفقاعات هوائية وأموال ومناصب ذائفة وتناسى أنه على موعد مع الموت ومع الله وأن ما يجري وراءه سيتركه للأبد ولن يبقى له إلا ما قدم من أعمال وصدقات وكلمات طيبة. والفرق بيننا وبين المسلمين في صدر الإسلام أن إيمانهم بالله كان كالصخور والجبال لا يهتز أبدا ولو طبقت السماء على الأرض وبالتالي كانت أعمالهم تصديقا وتوقيعا على نياتهم الصافية والنبيلة فكانت الأعمال خالصة لوجه الله بلا مصالح زائلة .لذلك أقول لكم نحن بحاجة لرمضنة قلوبنا في جميع أيام السنة حتى يصوم اللسان عن الأعراض وتصوم الجوارح عن إذلال الناس ويصوم القلب ليرجع لله وتصوم الكلمات وتقول الخير فقط . فالأنبياء والأولياء كانوا صادقين في مشاعرهم وحبهم لله لذلك ناولوا الدرجة العالية الممتازة وكانوا في مقدمة الصفوف وسبقونا نحو الله لأنهم أكثرنا ذكرا وتسبيحا وحياءا وصلاة وصوما وقياما ونورا وبركة وقوة وراحة وهدوءا وطمأنينة وشفقة ورحمة حتى مع الحيوانات. فليت الصوم وحده يكفي وإنما القلوب التي في الصدور هي التي تحتاج لرمضان ورمضان ورمضان حتى تشعر وتقترب وتحيا لترى النبي في المنام وحتى في اليقظة وترى الملائكة وترى العالم الثاني الذي لا نراه إلا عند الموت.

Facebook Comments Box

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى